المقدمة
يُعرف الخط العربي بأنّه فن الكتابة في جميع اللغات التي تستخدم الحروف العربية وليس فقط اللغة العربية، حيث تتميز هذه الخطوط باكتسابها أشكالاً هندسية مختلفة من خلال المد والرجع والإستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب وغيرها من قواعد الزخرفة والتزيين، وعادةً ما كانت تُستخدم الخطوط العربية في تزيين المساجد والقصور وكتابة الصحُف، وتجميل مناظر المخطوطات والكتب وألواح الرخام والخشب وغيرها، وقد بدأ ظهور هذه الخطوط العربية منذ ظهور الأبجدية والأحرف العربية حيث قام العديد من العرب والعثمانيين والعباسيين وغيرهم بالتطوير والإبداع في الكتابات والخطوط على مر العصور وصولاً إلى يومنا هذا.
في مقالنا هذا سنشرح أشهر أنواع الخط العربي، ألا وهو الخط الكوفي، كما سنشرح تاريخ نشأته وتطوّره وأنواع الخط الكوفي وأقسامه.
ما هو الخط الكوفي ؟
الخط الكوفي هو خط من أقدم الخطوط العربية، و يُعد من أجمل خطوطها وأكثرها تطوراً وشهرةً، وقد عُرف الخط الكوفي بهذا الاسم لأنه انتشر في مدينة الكوفة في العراق أولاً ثم انتشر في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي وكان مصاحباً لإنتشار الإسلام حيثُ استُخدم في كتابة القرآن الكريم لأربعِ قرونٍ هجرية، كما وصل الخط الكوفي في العصر العباسي إلى مكانة عالية نتيجة إهتمامهم به وإبداعهم في رسمه وشكله، حيث أضافوا له الكثير من فنون الزخرفة، وبالتالي أصبح الخط الكوفي يمثّل مظهراً من مظاهر جمال الفنون العربية. كما تسابق الكُتّاب أيضاً في تطويره وتفننوا في زخرفة حروفه، وذلك لأن الفنان العربي والمسلم وجد فيه المرونة والمطاوعة ليتمكن من التماشي من شكل جميل إلى شكل أجمل.
يتميز الخط الكوفي بأنه خط زخرفي هندسي، حيث تعتمد إجادة هذا الخط على التمكن والتفوق في النواحي الهندسية، كما أنه خط سلس يقبل التطوير والتحسين والإبتكار في الشكل الجمالي العام، ويتفرع من الخط الكوفي الكثير من الأنواع والأشكال "أي ما يقارب العشرات من الخطوط الكوفية"، كما أن أغلب الخطوط الكوفية هذه لا تُكتب مباشرة بالقلم والحبر، بل يجب تصميمها أولاً بقلم من الرصاص ومسطرة حتى يصل الكاتب إلى الشكل المطلوب والمرغوب، ثم يتم بعد ذلك تحديد الكتابة على الحواف الخارجية لها، ثم ملئها بعد ذلك بالحبر، كما يتكون شكل هذا الخط من إمالة في أحرف الألف واللام نحو اليمين قليلاً، وهو خط غير منقّط.
تاريخ الخط الكوفي
لقد كانت تسمية الخطوط عند العرب سابقاً تُسمى تبعاً للأقاليم والبلدان التي وردتهم منها هذه الخطوط، فكما عُرف الخط عند عرب الحجاز قبل عصر الكوفة بالنبطي والحيري والأنباري، لأنه جاء من بلاد النبط والحيرة والأنبار. عُرف الخط العربي في وقت من الأوقات باسم (الكوفي) لأنه انتشر من الكوفة إلى أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي وكان مصاحباً لإنتشار الإسلام. كما يرجّح أن يكون انتشار الخط العربي من شبه الجزيرة إلى خارجها قد تمّ في عصر ازدهار الكوفة لانشغال العرب في عصر الفتح الأعظم بالحرب وسياسة الدولة الجديدة، واكتفائهم في التدوين في أوائل الفتوحات بلغات البلاد المفتوحة وخطوطها، فلما ألقى العرب السلاح بعد موجات الحرب العنيفة واشتغلوا في الكوفة بعلوم النحو والأدب والجدال والفقه والدين، ظهر للكوفة مذهبها في الكتابة، لأنها لم تكن لتقبل وهي تنافس البصرة ألا يكون لها في الكتابة اسلوبها الخاص.
وبذلك شاع خطٌ يابس في العالم الإسلامي وعُرف دون غيره بالخط الكوفي، وهو نوع من الخطوط الجليلة التي مارستها الكوفة استأثر باسمها لأنه ابتُكر فيها، ولم يكن له وجود قبلها، وتميّز هذا الخط بميل إلى التربيع والجفاف والقوّة، ويرشّح البعض ذلك لأن الكوفة قد بُنيت في إقليم كانت تسوده قبلاً ثقافة الآراميين والتدمريين والسريانيين وخطوط هؤلاء كما هو معروف من الفصيلة السامية، لذا لا بدّ أن تكون قد تأثرت بعض كتاباتها بالكتابات الإسترانجيلية السريانية من حيث هيئتها العامة المربّعة.
ما هي أنواع الخط الكوفي ؟
كما ذكرنا أعلاه، فقد تطور الخط الكوفي تطوراً كبيراً خلال العصر العباسي، كما عَرِف الخطّاطون والمزخرفون حينها كيفية الحصول على أقصى إستفادة من الخصائص الزخرفية لهذا الخط، وأحاطوا الخطوط الكوفية بنماذج رائعة عظيمة التنوع من التوريقات والزخارف النباتية وغيرها. فقد كان الخط الكوفي في بداية أمره بسيطاً لا توريق ولا تزهير فيه ولا تشابك ولا ترابط بين حروفه، فقاموا بزخرفته وتطويره فكان منه الكوفي المورق والمزهر والمضفور والهندسي. وبذلك فقد أصبح هناك العديد من الأنواع للخط الكوفي وهي:
الكوفي البسيط
ويُعد من أقدم أنواع الخط الكوفي، ويتصف بأن مادته كتابية بحتة، أي أنها خالية من الإضافات الزخرفية واللغوية، وقد شاع في العالم الإسلامي شرقه وغربه في القرون الهجرية الأولى حتى وقت متأخر، ومن أشهر أمثلته كتابات المصاحف القديمة، وكتابة قبة الصخرة في القدس وكتابة مقياس النيل في القاهرة، وكتابة الجامع الطولوني، وغالبية الكتابات التي ترى على شواهد القبور في الكوفة ومصر وغيرها من بقاع العالم الإسلامي.
الكوفي المورق
يكون هذا النوع على شكل خط كوفي يحوي زخارف تشبه أشكال النباتات وأوراق الأشجار والأزهار، حيث تنبعث هذه الأشكال والزخارف من حروفه القائمة أو حروفه المستلقية وبالأخص الأحرف الأخيرة.
لقد بدأت ظاهرة التوريق في صورتها الأولى في مصر قبل القرن الثاني الهجري، ويُقال أن هذا النوع قد انتقل من مصر إلى شرق العالم الإسلامي وغربه، حيث لَعب دوراً مهماً في زخرفة الكتابة حينها.
الكوفي المزهر (المخمَّل)
وهو النوع الذي يُرسم على أرضية من سيقان النبات اللولبية وأوراقها، أو أيّة أرضية مزخرفة بزخرفة نباتية تشغل الخلفية وجميع الفراغات التي حول الحروف، وأشهر أمثلته في إيران وفي غزنة، وفي مدرسة السلطان حسن بالقاهرة ويلحق بهذا النوع كتابات تستأثر فيها الحروف بالجزء الأسفل من الإفريز (شريط زخرفي يُشكّل بصورة هندسية معينة) ثم تشغل الزخارف النباتية كل فراغ يتكوّن بعد ذلك.
الكوفي المضفور
ويُطلق عليه أيضاً المُعقَّد أو المترابط، وهو نوع من الزخارف الكتابية التي بولغ في تعقيدها أحياناً إلى حد يصعب فيه تمييز العناصر الخطية من العناصر الزخرفية، حيث تضفر فيه حروف الكلمة الواحدة، كما قد تضفر كلمتان متجاورتان أو أكثر لكي ينشأ من ذلك إطار جميل من التضفير. وأقدم الأمثلة المعروفة من هذا النوع كانت في أوائل القرن الخامس الهجري حيث انتشر في شرق العالم الإسلامي وغربه في وقت واحد تقريباً، وأقدم أمثلته خطوط قلعة راد كان في إيران من سنة ٤١١هـ، وفي المسجد الجامع بالقيروان في تونس في المقصورة وباب المكتبة سنة ٤٣١هـ.
الكوفي الهندسي
يمتاز هذا النوع عن بقية أنواع الخطوط الكوفية بأنه شديد الإستقامة، قائم الزوايا، أساسه هندسي بحت، ولكن لا تزال نشأته غامضة، لكن أغلب الظنون تعود إلى أن فكرة الزخرفة بالطوب المختلف الحرق في العراق وإيران والمعروفة بـ الهزار باف والتي تتكون من وضع الطوب المختلف الحرق في أوضاع رأسية وأفقية بحيث تنشأ من ذلك أشكال هندسية وكتابية لا حصر لها، هي التي أوحت به وهو شائع في مساجد إيران والعراق. وأشهر أمثلته في مصر مسجد السلطان قلاوون ٦٨٣هـ، ومسجد زين الدين يوسف ٦٩٣هـ، كما كثُر إستخدامه في العصر التركي الأخير أيضاً.
ومن سلالات هذا النوع الكتابات الهندسية المثلثة أو المربعة أو المخمسة أو المسدسة أو المسبعة أو المثمنة أو المستديرة وغيرها، لكن في النهاية جميع هذه الأنواع هي زخرفيّة بحتة، وربما يصعب على البعض قراءة عباراته لشدة تداخل الكلمات ببعضها وإشتراك حروفها.
الكوفي التذكاري
وهذا النوع من الكتابات ثقيل وكبير الحجم كما أنه يصنّف كنوع يابس، فهو من الأنواع التي تُستخدم لأغراض واستخدامات معيّنة، وبالتالي يستدعي استخدام الخط التذكاري عادةً مناسبة جسيمة، فيشمل هذا الخط: النقوش الكبيرة على البناء، حيث كانت تعرف بأنها أفاريز خطيّة أو أشرطة تحلّي الحيطان أو رقاب القباب. والنقوش التأسيسية التي تؤرخ لإقامة أثر، وعادة ما تكون منقورة في الحجر أو الرخام. والنقوش الشاهديّة، وهي أكثر بساطةً من حيث إنجازها وقراءتها من الكتابات التذكاريّة كشواهد القبور وعلامات الطرُق.
وقد استمرت الكتابة بالخط الكوفي التذكاري في العالم الإسلامي حتى القرن السادس الهجري، ثم بدأ يغلب عليه خط النسخ ويسلب تلك المكانة أمام الخط الكوفي آنذاك.
الكوفي المصحفي
هذا النوع من الأنواع التي تُستخدم لأغراض واستخدامات معيّنة كذلك، حيث يجمع هذا النوع من الكتابات الكوفية ما بين الجفاف والليونة في مزيج رائع على الرغم من أنه يصنّف كنوع ليّن، وبالتالي استُخدم في كتابة المصاحف الكبرى، وظلّ الخط المفضل لها على طول القرون الثلاثة الهجرية الأولى. أما الخط المصحفي (المائل) فيُقال أنه تطور للخط المكّي لأنه يشبهه من حيث نزعته إلى استلقاء حروفه واضطجاعها، ويرجّح البعض أنه استُعمل في القرن الثاني الهجري في إثر الخط المكّي، ويدللون على ذلك بخلوه من النقط وحركات الإعراب. أما خط (المشق) المصحفي، فأهم صفاته المط والمد، ويرجّحون أنه كان يكتب بسرعة، حيث تطول استمداداته الأفقية على حساب ارتفاع أصابعه، ويضيق ما بين سطوره تبعاً لذلك. ولكن، لقد عاب البعض هذا النوع سابقاً حيث وُصف بأنه خالٍ من الجودة وذلك بسبب الإسراع في كتابته، لكن على الرغم من ذلك فإننا نجد منه أمثلة طيبة فيها كثير من الجمال وحسن الأداء بسبب ما في هذا الخط من التمطيط والمد، حيث تفيد هذه الصفتين بإحداث تساوي بين أطوال السطور، واتخاذ هذا التمطيط وسيلة من وسائل الزخرفة والتجميل في الخطوط الكوفية عامةً والفاطمية بصفة خاصة. كما زادت الرغبة في تجميل هذا الخط الممطط في القرنين الرابع والخامس الهجريين، واستُخدم حينها لكتابة الرسائل.
ما هي قواعد الخط الكوفي ؟
للخط الكوفي اثني عشر قاعدة، قام بذكرها التوحيدي وهي: الإسماعيلي، المدني، المكّي، الأندلسي، الشامي، العراقي، العباسي، البغدادي، المشعب، الريحاني، المحرر، المصري.
حيث كان من هذه القواعد ما هو مُستخدم قديماً وما هو مُستخدم منذ وقتٍ قريب، وقد تفنن وأبدع الكثير في استخدام هذه القواعد كلٍ على حسب اجتهاده.
الخاتمة
ما يمكننا استنتاجه مما سبق، هو أن الخط العربي بشكل عام، والخط الكوفي بشكل خاص بحرٌ واسع ولهما تاريخ عريق، فكلّما تعمّقنا وبحثنا في تاريخ الخط وتفاصيله كلّما وجدنا الكثير من الأنواع والأشكال والأقسام والتطورات المتفرعة منه. وعلى الرغم من أننا ذكرنا أهم وأبرز المعلومات عن الخط الكوفي في مقالنا هذا، لا بدّ من أن يكون هناك اختصار لبعض جوانبه والتي لا يمكن شرحها وتفصيلها سوى بالكتب والموسوعات.
المصادر
- الخط الكوفي : Wikipedia
- Kufic : Wikipedia
- Kūfic script : britannica
- موسوعة الخط العربي "الخط الكوفي" - كامل سلمان الجبوري
🤩 نحن نقدم خدمات التصميم للعديد من الأفراد والشركات
خدماتنا تشمل أغلب جوانب التصميم، مثل تصميم الشعارات و تصميم الهوية البصرية و تصميم المطبوعات و تصميم الميديا وغيرها الكثير.